فصل: القسم الثاني من ألقاب أرباب الوظائف: ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.القسم الثاني من ألقاب أرباب الوظائف: ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر:

والمشهور منهم طائفتان:
الطائفة الأولى: النصارى:
والمشهور من ألقاب أرباب وظائفههم ثمانية ألقابٍ الأول- الباب- بباءين موحدتين مفخمتين في اللفظ. وهو لقبٌ على القائم بأمور دين النصارى الملكانية بمدينة رومية. وما ذكره من التثقيف من أنه عندهم بمثابة القان عند التتار فخطأ ظاهر: لأن البابا قائم في النصارى مقام الخليفة، بل به عندهم يناط التحليل والتحريم، وإليه مرجعهم في أمر ديانانتهم بخلاف القان فإن أمره قاصرٌ على أمر الملك، وأصله البابا بزيادة ألف في آخره، والكتاب يثبتونها في بعض المواضع ويحذفونها في بعض، وربما قيل فيه البابه بإبدال الألف هاءً.
وهي لفظةٌ رومية معناها أبو الآباء. وأول ما وضع هذا اللقب عندهم على بطرك الإسكندرية الآتي ذكره فيما بعد، وذلك أن صاحب كل وظيفة من وظائفهم الآتي ذكرها كان يخاطب من فوقه منهم بالأب، فالتبس ذلك عليهم فاخترعوا لبطرك الإسكندرية الباب دفعاً للاشتراك في اسم الباب، وجعلوه أبا للكل، ثم رأوا أن بطرك رومية أحق بهذا اللقب: لأنه صاحب كرسي بطرس كبير الحواريين ورسول المسيح عليه السلام إلى رومية، وبطرك الإسكندرية صاحب كرسي مرقص الإنجيلي تلميذ بطر س الحواري المقدم ذكره فنقلوا اسم البابا إلى بطرك رومية، وأبقوا اسم البطرك على بطرك الإسكندرية.
الثاني- البطرك- بباء موحدة مفتوحة ثم طاء مهملة ساكنةٍ وبعدها راء مهملة مفتوحة ثم كافٍ في الآخر. وهو لقبٌ على القائم بأمور دين النصرانية. وكراسي البطاركة عندهم أربعةٌ: كرسي برومية وهو مقر الباب المقدم ذكره، وكرسي بأنطاكية من بلاد العواصم، وكرسي بالقدس، وكرسي بالإسكندرية وقد غلب الآن بالديار المصرية على رئيس النصارى اليعقوبية باليار المصرية وهو المعبر عنه بالزمن القديم ببطرك الإسكندرية، ومقره الآن بالكنيسة المعلقة بالفسطاط على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأصله البطريرك بزيادة ياء مثناة تحت مفتوحة بعدها راء ساكنة وهو لفظ رومي معناه................... ورأيت في ترسل العلاء بن موصلايا كاتب القائم بأمر الله العباسي في تقليدٍ أنشأه الفطرك بإبدال الباء الموحدة فاءً. وقد تقدم أن هذا البطرك هو الذي كان يدعى أولاً بالبابا ثم نقل ذلك إلى بابا رومية، على أن بطرك الإسكندرية لم يكن في الزمن المتقدم مختصاً ببطرك اليعقوبية بل كان تارةً يكون يعقوبياً وتارةً يكون ملكانياً وإنما حدث اختصاصه باليعقوبية في الدولة الإسلامية على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
الثالث- الأسقف- بضم الهمزة والقاف. وهو عندهم عبارة عن نائب البطرك.
الرابع- المطران- بكسر الميم. وهو عبارةٌ عن القاضي الذي يفصل الخصومات بينهم.
الخامس- القسيس- بكسر القاف. وهو القاريء الذي يقرأ عليهم الإنجيل والمزأمير وغيرها.
السادس- الجاتليق- بجيم بعدها ألف ثم تاء مثناة فوق ولام ثم ياء مثناة تحت وقاف في الآخر. وهو عندهم عبارة عن صاحب الصلاة.
السابع- الشماس- بشين معجمة في الأول وسين مهملة في الآخر وميم مشددة. وهو عبارة عندهم عن قيم الكنيسة.
الثامن- الراهب-. وهو عبارةٌ عن الذي حبس نفسه على العبادة في الخلوة.
الطائفة الثانية: اليهود:
والمشهور من ألقاب أرباب وظائفهم ثلاثة ألقاب:
الأول- الرئيس. وهو القائم فيهم مقام البطرك في النصارى، وقد تقدم الكلام على لفظ الرئيس وأنه يقال بالهمز وبتشديد الياء.
الثاني- الحزان- بحاء مهملة وزاي معجمة مشددة وبعد الألف نون. وهو فيهم بمثابة الخطيب يصعد المنبر ويعظهم.
الثالث- الشليحصبور- بكسر الشين المعجمة واللام وفتح الياء المثناة تحت وبعدها حاء مهملة ساكنة ثم صاد مهملة مفتوحة وباء موحدة مشددة مضمومة بعدها راء مهملة. وهو الإمام الذي يصلي بهم.

.الجملة الثانية في ذكر الألقاب المرتبة على الأصول العظام: الألقاب المرتبة على الأصول العظام من ألقاب أرباب الوظائف المتقدمة:

وهي نوعان:
النوع الأول ألقاب الخلفاء المرتبة على لقب الخليفة:
وهي صنفان:
الصنف الأول: ما جرى منها مجرى العموم:
وهو لقبان الأول- أمير المؤمنين. وهو لقبٌ عامٌ للخلفاء. وأول من لقب به منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أثناء خلافته، وكانوا قبل ذلك يدعون أبا بكر الصديق رضي الله عنه بخليفة رسول الله، ثم ادعوا عمر بعده لابتداء خلافته بخليفة خليفة رسول الله.
واختلف في أصل تلقيبه بأمير المؤمنين فروى أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب بسنده إلى أبي وبرة، أن أصل تلقيبه بذلك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجلدان في الشراب أربعين، قال فبعثني خالدٌ إلى عمر في خلافته أسأله عن الجلد في الشراب فجئته، فقلت يا أميرالمؤمنين إن خالداً بعثني إليك- قال فيم؟ قلت: إن الناس قد تخافوا العقوبة وانهمكوا في الخمر فما ترى في ذلك فقال عمر لمن حوله ما ترون في ذلك فقال علي نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدةٍ فقبل ذلك عمر فكان أبو وبرة ثم علي بن أبي طالب أول من لقبه بذلك.
وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن أصل ذلك أن عمر رضي الله عنه بعث إلى عامله بالعراق أن يرسل إليه رجلين عارفين بأمور العراق يسألهما عما يريد فأنفذ إليه لبيد بن ربيعة وعدي بن هشام فلما وصلا المدينة دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين- فقال لهما عمرو: أنتما أصبتما اسمه! ثم دخل على عمر فقال السلام على أمير المؤمنين- فقال: ما بدا لك يا ابن العاص؟ لتخرجن من هذا القول! فقص عليه القصة فأقره على ذلك، فكان ذلك أول تلقيبه بأمير المؤمنين، ثم استقر ذلك لقباً على كل من ولي الخلافة بعده أو ادعاها خلا خلفاء بني أمية بالأندلس فإنهم كانوا يخاطبون بالإمارة إلى أن ولي منهم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله، ابن عبد الرحمن، وهو الثالث عشر من خلفائهم إلى زماننا.
الثاني- عبد الله ووليه. وهو لقبٌ عام للخلفاء أيضاً، إذ يكتب في نعت الخليفة في المكاتبات ونحوها من عبد الله ووليه أبي فلانٍ فلانٍٍ أمير المؤمنين، فأما عبد الله فأول من تلقب به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً، فكان يكتب في مكاتباته من عبد الله عمر ولزم ذلك من بعده من الخلفاء حتى إن المأمون كان اسمه عبد الله فكان يكتب من عبد الله عبدالله بن هارون مكرراً لعبد الله على الاسم الخاص واللقب العام، وأما إردافها بقوله ووليه فأحدث بعد ذلك.
الصنف الثاني: ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة:
والمتلقبون بألقاب الخلافة خمس طوائف:
الطائفة الأولى: خلفاء بني العباس:
قد تقدم في الجملة الثانية من الطرف الأول من هذا الفصل في الكلام على أصل وضع الألقاب والنعوت أن خلفاء بني أمية لم يتلقب أحدٌ منهم بألقاب الخلافة، وأن ذلك ابتديء الدولة العباسية فتلقب إبراهيم بن محمدٍ حين أخذت البيعة بالإمام وأن الخلف وقع في لقب السفاح: فقيل القائم وقيل المهتدي وقيل المرتضي ثم تلقب أخوه بعده بالمنصور واستقرت الألقاب جاريةً على خلفائهم كذلك إلى أن ولي الخلافة أبو إسحاق إبراهيم بن الرشيد بعد أخيه المأمون فتلقب بالمعتصم بالله فكان أول من أضيف في لقبه من الخلفاء اسم الله. وجرى الأمر على ذلك فيمن بعده من الخلفاء كالواثق بالله والمتوكل على الله والطائع لله والقائم بأمر الله والناصر لدين الله وما أشبه ذلك من الألقاب المتقدمة في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية.
وكان من عادتهم أنه لا يتلقب خليفة بلقب خليفة قبله إلى أن صارت الخلافة إلى الديار المصرية فتردافوا على الألقاب السابقة، واستعملوا ألقاب من سلف من الخلفاء على ما تقدمت الإشارة في الكلام على ترتيب الخلفاء، إلى أن تلقب أمير المؤمنين محمد بن أبي بكر خليفة العصر؛ بالمتوكل على الله وهو من أوائل ألقاب الخلافة العباسية.
الطائفة الثانية: خلفاء بني أمية بالأندلس:
حين غلب بنو العباس على الأمر بالعراق، وانتزعوا الخلافة منهم وأول من ولي الخلافة منهم بالأندلس عبد الرحمن بن معاوية، بن هشام، بن عبد الملك، بن مروان، المعروف بالداخل لدخوله الأندلس في سنة تسع وثلاثين ومائة على ما سيأتي ذكره في مكاتبة صاحب الأندلس. ولم يتلقب بلقب من ألقاب الخلافة جرياً على قاعدتهم الأولى في الخلافة. وجرى على ذلك من بعده من خلفائهم إلى أن ولي منهم عبد الرحمن بن محمد، المعروف بالمقبول فتلقب بالناصر بعد أن مضى من خلافته تسعٌ وعشرون سنة، وتبعه من بعده منهم على ذلك إلى أن ولي عبد الرحمن بن محمد، بن عبد الملك، بن الناصر بن عبد الرحمن المقدم ذكره، فتلقب بالمرتضي بالله وهو أول من أضيف في لقبه بالخلافة منهم اسم الله، مضاهاً لبني العباس، وذلك في حدود الأربعمائة، وبقي الأمر على ذلك في خلفائهم إلى أن كان آخرهم هشام ابن محمد فتلقب بالمعتمد بالله وانقرضت خلافتهم من الأندلس بعد ذلك بانقراضه في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
الطائفة الثالثة: الخلفاء الفاطميون ببلاد الغرب ثم بالديار المصرية:
وأول ناجم نجم منهم ببلاد الغرب أبو محمد عبيد الله في سنة ست وتسعين ومائتين من الهجرة، وتلقب بالمهدي ثم تلقب بنوه من بعده بألقاب الخلافة المضاف فيها اسم الله كالقائم بأمر الله والمنصور بالله إلى أن كان منهم المعز لدين الله أبو تميم معد، وهو الذي انتزع الديار المصرية من أيدي الأخشيدية، وصار إليها في سنة تسع وخمسين وثلثمائة. وتداول خلفاؤهم بها مثل هذه الألقاب إلى أن كان آخرهم العاضد لدين الله عبد الله وانقرضت خلافتهم بالدولة الأيوبية على ما تقدم ذكره في المقالة الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية.
الطائفة الرابعة: الخلفاء الموحدون الذين ملكوا أفريقية بتونس:
الآن من بقاياهم وأولهم في التلقيب بألقاب الخلافة إمامهم محمد بن تومرت البربري، القائم ببلاد الغرب في أعقاب الفاطميين المتقدم ذكرهم، تلقب بالمهدي وآل الأمر من جماعته إلى الشيخ أبي حفصٍ أحد أصحابه، ومن عقبه ملوك تونس المتقدم ذكرهم فلم يتلقب أحد منهم بألقاب الخلافة إلى أن ولي منهم أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى فتلقب بالمستنصر بالله وتبعه من بعده من ملوكها على التلقيب بألقاب الخلافة غلى زماننا، ولذلك قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف في الكلام على مكاتبة صاحب تونس لا يدعي إلا الخلافة وشبهتهم في ذلك أنهم يدعون انتسابهم إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من صميم قريش.
الطائفة الخامسة: جماعة من ملوك الغرب ممن لا شبهة لهم في دعوى الخلافة:
كملوك الطوائف القائمين بالأندلس بعد انقراض الدولة الأموية منها: بني عباد وبني هود وغيرهم حيث كانوا يلقبون بالمعتمد وغيره.
النوع الثاني: الصنف الأول الألقاب العامة:
وهي التي تقع بالعموم على ملوك ممالك مخصوصةٍ تصدق كل واحد منهم، وهي ضربان:
الضرب الأول: الألقاب القديمة:
والمشهور منها ألقاب ست طوائف:
الطائفة الأولى: التبابعة ملوك اليمن:
كان يقال لكل منهم تبع قال السهيلي في الروض الأنف: سموا بذلك لأن الناس يتبعونهم، ووافقه الزمخشري على ذلك، وقال ابن سيده في المحكم: سموا بذلك لأنهم يتبع بعضهم بعضاً. قال المسعودي في مروج الذهب: ولم يكونوا ليسموا أحداً منهم تبعاً حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت. وقيل: حتى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس، أما إذا لم يكن كذلك فإنما يسمى ملكاً. وأول من لقب منهم بذلك الحارث بن ذي شمر وهو الرائش. ولم يزل هذا اللقب واقعاً على ملوكهم إلى أن زالت مملكتهم بملك الحبشة اليمن.
الطائفة الثانية: ملوك الفرس:
وهم على أربعة طبقات:
الطبقة الأولى- القيشدادية، كان يقال لكل من ملك منهم قيشداد، ومعناه سيرة العدل وأولهم كيومرث، والفرس كلهم مطبقون على أنه مبدأ نسل البشر، وكأنهم يريدون به آدم عليه السلام.
وحكى الغزالي في نصيحة الملوك: أن كيومرث ابن آدم لصلبه، وأن آدم عهد إلى شيثٍ بأمر الدين وإلى كيومرث بأمر الملك، وبعضهم يقول إنه كامر ابن يافث بن نوح عليه السلام.
الطبقة الثانية- الكيانية. سموا بذلك لأن في أول اسم كل واحد منهم لفظ كي، وأولهم كيقباذ.
الطبقة الثالثة- الأشغانية. كان يقال لكل منهم أشغان. قال المسعودي: بالغين المعجمة ويقال بالكاف.
الطبقة الرابعة- الأكاسرة، كان يقال لكل منهم كسرى بكسر الكاف وفتحها، وربما قيل فيهم الساسانية نسبةٌ إلى جدهم ساسان بن أردشير بن كي بهمن. وأولهم أردشير بن بابك وآخرهم يزدجرد الذي انقرض ملكهم بانتزاع المسلمين الملك من يديه في خلافة عثمان رضي الله عنه.
الطائفة الثالثة: ملوك مصر من بعد الطوفان من القبط:
كان كل من ملكها منهم يسمى فرعون قال إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب العجائب: والقبط تزعم أن الفراعنة من ملكها من العمالقة دون القبط، كالوليد بن دومغ ونحوه. ويقال: إن أول من تسمى بهذا الاسم منهم فرعان آخر ملوكها قبل الطوفان ثم تسمى من بعده بفرعون قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: ولم أدر لأي معنى سمي بذلك. والمذكور في القرآن منهم هو الذي بعث موسى عليه السلام في زمانه.
الطائفة الرابعة: ملوك الروم:
وهم طبقتان الطبقة الأولى منهما ليس لهم لقبٌ يعم كل ملك، بل لكل ملك منهم اسمٌ يخصه.
الطبقة الثانية- القياصرة. كان يقال لكل ملك منهم قيصر، وأصل هذه اللفظة في اللغة الرومية جاشر بجيم وشين معجمة فعربتها العرب قيصر ولها في لغتهم معنيان: أحدهما الشعر، والثاني الشيء المشقوق.
واختلف في أول من تلقب بهذا اللقب منهم: فقيل أغانيوش أول ملوك الطيقة الثانية منهم. سمي بذلك لأن أمه ماتت وهو حمل في بطنها فشق جوفها وأخرج فأطلق عليه هذا اللفظ أخذاً من معنى الشق، ثم صار علماً على كل من ملكهم بعده، وقيل أول من لقب بذلك يوليوش الذي ملك بعد أغانيوش المذكور، وقيل أول من لقب به أغشطش، واختلف في سبب تسميته بذلك: فقيل لأن أمه ماتت وهو في جوفها فشق عنه وأخرج كما تقدم القول في أغانيوش، وقيل لأنه ولد وله شعر تام فلقب بذلك أخذاً من معنى الشعر كما تقدم. ولم يزل هذا اللقب جارياً على ملوكهم إلى أن كان منهم هرقل الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وزعم القاضي شهاب الدين بن فضل الله في كتبه التعريف في الكلام على مكاتبة الأدفونش أن هرقل لم يكن الملك نفسه وإنما كان متسلم الشام لقيصر، وقيصر القسطنطينة لم يرم، وإنما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل لقربه من جزيرة العرب وبقي هذا اللقب عليهم بعد الإسلام إلى أن كان آخر من تلقب به منهم إستيراق قيصر ملك القسطنطينية في خلافة المأمون بن الرشيد.
الطائفة الخامسة: ملوك الكنعانين بالشام:
كان كل من ملك منهم لقب بجالوت إلى أن كان آخرهم جالوت الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: {وقتل داود جالوت}.
الطائفة السادسة: ملوك الحبشة:
كان كل من ملك منهم يلقب بالنجاشي ولم يزل ذلك لقباً على ملوكهم إلى أن كان منهم النجاشي الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وهو الذي هاجر إليه من هاجر من الصحابة رضوان الله عليهم الهجرة الأولى، واسمه صحمة، ويقال أصحمه، ومعناه بالعربية عطية.
الضرب الثاني: الألقاب المستحدثة:
والمشهور منها ألقاب ست طوائف:
الطائفة الأولى: ملوك فرغانة:
كان كل من ملك منهم يلقب الأخشيد ولذلك لقب الراضي بالله العباسي محمد بن طغج صاحب الديرا المصرية والبلاد الشامية، بالأخشيد لأنه كان فرغانياً.
الطائفة الثانية: ملوك أشروسنة:
كان كل من ملكها يقال له الأفشين. قال في ذخيرة الكتاب: وبه لقب المعتصم بالله حيدر بن كاووس بالأفشين لأنه أشروسني.
الطائفة الثالثة: ملوك الجلالقة من الفرنج:
الذين قاعدة ملكهم طليطلة وبرشلونة من الأندلس، يقال لكل من ملك منهم أدفونش بدالٍ مهملة ثم فاءٍ بعدها واو ثم نون مفتوحة وشين معجمة في آخره. وهذا اللقب جارٍ على ملوكهم إلى زماننا، وهو الذي تسميه العامة الفنش.
الطائفة الرابعة: ملوك فرنسة:
ويقال فرنجة بالجيم، وهو ملك الأرض الكبيرة بظاهر الأندلس، يقال لكل من ملكها ريد أفرنس ومعنى ريد بلغتهم الملك، والأفرنس اسم للجنس الذي يملك عليهم. والمعنى ملك الأفرنس. وهو الذي تسميه العامة الفرنسيس وهذا اللقب جارٍ على ملوكهم إلى الآن.
الطائفة الخامسة: ملوك البندقية من بلاد الفرنج:
كل من ملك منهم يسمونه دوك بالكاف المشوبة بالجيم فيقال: دوك البندقية. وهذا اللقب جارٍ على ملوكهم إلى آخر وقت.
الطائفة السادسة: ملوك الحبشة في زماننا:
كل من ملك منهم يقال له حطي بفتح الحاء المهملة وكسر الطاء المهملة المشددة. وهذا اللقب يذكر في مكاتباتهم عن الأبواب السلطانية على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني من النوع الثاني: الألقاب الخاصة:
وهي التي يخص كل ملكٍ من ملوك الإسلام منها بلقبٍ، وهو المعبر عنه عند الكتاب باللقب الملوكي. ويختلف الحال فيه باختلاف البلاد والزمان.
فأما بلاد المشرق فأول افتتاح تلقيب ملوكهم بالإضافة إلى الدولة، وكان أول من تلقب منهم بذلك بنو حمدان ملوك حلب، فتلقب أبو محمدٍ الحسن بن حمدان في أيام المتقي لله ناصر الدولة وتلقب أخوه أبو الحسن علي سيف الدولة وعلى ذلك جرى الحال في ملوك بني بويه على ما تقدم ذكره في الكلام على أصول الألقاب، وتوالى ذلك فيهم إلى انقراض دولتهم. ثم وقع التلقيب بالسلطان فيما بعدهم من الدول كدولة بني سبكتكين وبني ساسان، وبني سلجوق، إلى أن غلبت التتار على بلاد المشرق فجرت ملوكهم في التلقيب بألقابٍ على عادة ملوكهم.
وأما بلاد المغرب: فأوائل ملوكهم على عموم ملوكهم لجميعها وخصوصه ببعضها ما بين مدعٍ للخلافة، كبني أمية بالأندلس، وأتباع المهدي بن تومرت، فيدور أمر أحدهم بين التلقيب بألقاب الخلافة والاقتصار على اسمه أو كنيته، وما بين غير مدعٍ للخلافة، فيقتصر على اسمه أو كنيته فقط إلى أن غلب يوسف بن تاشفين في أوائل دولة المرابطين من الملثمين من البربر على بلاد المغرب والأندلس، ودان بطاعة الخلافة العباسية ببغداد، فتلقب بأمير المسلمين خضوعاً عن أن يتلقب بأمير المؤمنين الذي هو من خصائص الخلافة، وتبعه على ذلك من جاء بعده من ملوك الغرب من البربر: فتلقب به بنو مرين: ملوك فاس، وبنو عبد الواد ملوك تلمسان، وبقي الأمر على ذلك إلى أن ملك فاس وما معها من بلاد المغرب أبو عنان من أحفاد السلطان أبي الحسن، فتلقب بأمير المؤمنين وصارت مكاتباته ترد إلى الديار المصرية بذلك، وتبعه من بعده من ملوكهم على ذلك.
أما ملوك تونس من بقايا الموحدين، فلم يزالوا يلقبون بألقاب الخلافة على ما سبق ذكره في الكلام على ألقاب الخلفاء.
وأما الديار المصرية، فمضى الأمر فيها على نواب الخلفاء من حين الفتح الإسلامي وإلى انقراض الدولة الأخشيدية ولم يتلقب أحد منهم بلقبٍ من الألقاب الملوكية.
ثم كانت دولة الفاطميين فتلقبوا بألقاب الخلفاء على ما مر ذكره.
ولم يتلقب أحد من وزرائهم أرباب السيوف لابتداء أمرهم بالألقاب الملوكية إلى أن ولي الوزارة المستنصر بدر الجمالي وعظم أمر الوزارة، وصارت قائمةً مقام السلطنة الآن فتلقب بأمير الجيوش وتلقب ابنه في وزارته بعده بالأفضل وتلقب ابن السلار بعد ذلك بالعادل وتلقب ابن البطائحي وزير الأمر بالمأمون ثم وزر بعد ذلك الحافظ بهرام الأرمني النصراني فتلقب بتاج الدولة ثم وزر بعده وزير اسمه رضوان، فلقبه بالملك الأفضل.
قال المؤيد صاحب حماة: وهو أول من لقب من وزرائهم بالملك، وجرى الأمر على ذلك في وزارتهم حتى كان منهم الملك الصالح طلائعٌ بن رزيك وزير الفائز ثم العاضد، ثم وزر للعاضد أخراً أسد الدين شيركوه عم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولقب بالملك المنصور ثم وزر له بعده ابن أخيه صلاح الدين، فلقب بالملك الناصر ثم استقل بالملك بعد ذلك، وبقي في السلطنة على لقبه الأول.
وتداول ملوك الدولة الأيوبية بعده مثل هذه الألقاب: كالملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين، والملك العادل أبي بكر بن أيوب، والملك الكامل محمد ابنه، والأفضل صاحب دمشق، والمعظم صاحب الكرك، وغيرهم إلى حين انقراض دولتهم ودخول الدولة التركية.
فتلقب أيبك التركماني أول ملوكهم بالملك المعز واستمر التلقيب مثل ذلك في الدولة التركية إلى أن صارت المملكة آخراً إلى الظاهر برقوق، ثم ابنه الناصر فرج، وهم على ذلك.
وعلى نحو ذلك ملوك البلاد المجاورة لهذه المملكة: كماردين، وحصن، كيفا ونحوهما.